الأحد، 30 نوفمبر 2014

قصة قصيرة --- حرز

أخذ نفسا عميقا، أغمض عينيه وهو يرفع يده المتثاقلة ويطرق الباب، الخوف البادي على عينيه يفضحه بشدة وهو يحاول أن يظهر بمظهر الواثق من نفسه، لا يعرف إلى الآن أي شجاعة هذه التي أوصلته لهذا البيت الطيني المتهالك، لا شيء هنا يدل على أن عصر النهضة بدأ في عمان. أطل وجه رجل ثمانيني من الباب بلحية بيضاء صافية وثوب مهترئ " تفضل ولدي قرب " دخل ويداه ترتجفان أجلسه الرجل على حصير منزو في الزاوية، وذهب ليحضر القهوة من الداخل . بدأ بتأمل المكان، سراج بسيط معلق على الوتد وروزنة تحوي كتبا، ولاهبة تفوح باللبان. كيف يعيش هذا الرجل وأولاده في هذا المكان الموحش. تمنى في تلك اللحظات العصيبة لو أن رجليه تساعدانه على الخروج والرجوع من حيث أتى، لكن شبح الملاحظة والفرصة الأخيرة للبقاء في الجامعة كانا يحثانه على المواصلة ، هذا آخر حل يلجأ إليه بعد أن تعب من مراجعة أطباءه النفسسين، حميد قال له في آخر مرة جلسوا فيها " أقولك روح عند الشايب حمدان ما حد كماه يضبط حروز ، أعرف ناس بغمان وتو يطلعو الأوائل وهو مضبطنهم " .لو يعرف أبوه أنه أتى إلى هنا لكان الآن في خبر كان ، لكن أباه إمام المسجد المتدين لم يستطع أن يخرجه مما هو فيه. سأله الشايب حمدان بعد القهوة " تفضل  ولدي مو بغيت ؟" بدأ يسرد قصته للشايب حمدان وكيف أنه كان متفوقا في دراسته و كيف أصبح فاشلا في الجامعة وفي النهاية أخبره بطلبه " أبغى أعرف مو جاني من دخلت الجامعة ؟" نظر له الشايب حمدان نظرة متفحصة مطولة  أحس فيها أن شيئا ما يخترقه من الداخل ، أن تلك النظرة بدأت تعري كل عالمه المزيف، تذكر رمساته الليلية مع الشباب و تفويته للمحاضرات، كذبه على أبيه، البنت التي خانها أخر مرة، الصلوات التي لا يصليها، كل تلك الأحداث كانت تتلاطم في ذاكرته محدثة ضجيجا عاليا والشايب حمدان ما زال ساكتا  " ولدي انته صايبتنك عين من زمان،  وزين يوم تواحيت على عمرك وجيت " . في تلك اللحظة تنفس الصعداء، حمد الله في سره أن الشايب حمدان لم يذكر له شيئا مما في باله ، كان يظن أنه سيكشف له كل أسراره.  " وكم تبغى علي حال الحرز ؟ " " الفلوس ما يهمن خلينا نخلص والله يشفيك ويعافيك " هكذا رد عليه الشايب حمدان وبدأ بأخذ كتاب من الروزنة والتقليب فيه ووضع بعض اللبان في اللاهبة والكتابة في ورق مصفر ،  كل أولاد الشايب حمدان لم يكملو تعليمهم الثانوي، كلهم خرجوا من المدرسة وما زالوا يرعون الغنم في الوادي كل صباح ويعودون بها عند  المساء ، غريبة كيف لم يسطتع أبوهم أن يجعلهم أذكياء مثل باقي أولاد الناس ، قطع عليه تفكيره الحرز الذي وضعه الشايب حمدان في يده " تفضل ولدي " أخرج عشرة ريالات من جيبه ووضعها في يد الشايب حمدان " ما يسدن ذلا حال شي الحرز بخمسين " شتمه في سره ووضع له باقي المبلغ وخرج بصمت . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق